[color=brown]مفهوم التنشئة السياسية :
تعتبر التنشئة السياسية موضوعاً أساسياً من موضوعات علم الاجتماع السياسي ، إذ أن جميع المجتمعات الإنسانية تعتمد في تماسكها وتطورها على ما يتوفر لديها من فهم مشترك للقيم والعادات والتقاليد التي تسود المجتمع وآلتي تطبع سلوك أعضاء المجتمع بطابع معين ، يميزه عن سلوك أعضاء المجتمعات الأخرى .
تعريف التنشئة السياسية :
ذكر(إسماعيل سعد) ، تعريفاً للتنشئة السياسية بأنها : 'هي إحدى العمليات الاجتماعية التي عن طريقها يتحصل الفرد على المعلومات ، والقيم ، والاتجاهات التي تتعلق أو ترتبط بالنسق السياسي لمجتمعهم ' .
وتبدأ عملية التنشئة السياسية في غالبية المجتمعات الإنسانية في سن مبكرة ومن سن الطفولة .
(اسماعيل سعد ،1983: 341-342)
هذا وقد راعى الميثاق الوطني الفلسطيني عملية التنشئة السياسية فأعطاها أهمية خاصة وورد لها ذكر في المادة الثامنة من الميثاق الفلسطيني عام 1964 م وتم التصويت والتصديق عليه في جامعة الدول العربية برعاية 'أحمد الشقيرى '.
وأشار (ناجي شراب ) لمفهوم التنشئة السياسية عند أنصار الوظيفية – هي العملية التي بمقتضاها يتعلم الفرد التصرف بطريقة مقبولة داخل المجتمع ، وتشير كذلك – إلى الطريقة التي في إطارها تصبح قيم ورموز المجتمع جزءاً من تفكير ومشاعر الفرد .
ويرى الوظيفيون أنه لكي يعمل المجتمع باستقرار وانتظام ينبغي أن يكتسب الأفراد 'اتفاقا عاما ' حول القيم والرموز والسلوك السائد . وأن أي خلل في عملية التنشئة قد يقود إلى سلوك نافر .
وعرف 'الموند و بول ' التنشئة بأنها ' اكتساب المواطن للاتجاهات والقيم السياسية التي يحملها معه حينما يجند في مختلف الأدوار الاجتماعية .( عن ناديه سالم ، ناجي شراب ،1998: 171) .
وتعرف بأنها تعلم الفرد لمعايير اجتماعية عن طريق مختلف مؤسسات المجتمع مما يساعده على أن يتعايش سلوكياً معه .
التنشئة الاجتماعية :
وهي في ابسط معانيها هي كيف يتكون الانسان الاجتماعي ، أو بصورة اخرى كيف يكتسب الانسان خصائص وثقافة المجتمع الذي ينتمي اليه بحيث تصبح له هوية هذا المجتمع وثقافته فينسب اليه لا لغيره ، ويندمج فيه ويتمايز عن غيره من افراد المجتمعات الاخرى .
وعرف روشيه (Guy Rochih ) التنشئة الاجتماعية بكونها : 'السيرورة التي يكتسب الشخص الانساني عن طريقها ويستبطن طوال حياته العناصر الاجتماعية – الثقافية السائدة في محيطه ويدخلها في بناء شخصيته ، وذلك بتأثير من التجارب والعوامل الاجتماعية ذات الدلالة والمعنى ، ومن هنا يستطيع ان يتكيف مع البيئة الاجتماعية حيث ينبغي عليه ان يعيش'. ويرى روشيه ان التنشئة الاجتماعية تتميز بثلاث خصائص هي :
1. اكتساب الثقافة .
2. تكامل الثقافة في الشخصية .
3. التكيف مع البيئة الاجتماعية .
(ابراهيم ابراش ،1998 : 200-201)
التنشئة السياسية :
أما روبرت ليفين (R.Leivnea) ، فعرفها بأنها : 'اكتساب الفرد لاستعدادات سلوكية تتفق واستمرارية قيام الجماعات والنظم السياسية باداء الوظائف الضرورية للحفاظ على وجود الجماعات والنظم '. ويعرفها كينت لينتغون بأنها : 'الطريقة التي ينقل بها المجتمع ثقافته السياسية من جيل الى جيل ، او تلك العملية التي يتعلم الفرد من خلالها المواقف الاتجاهية والانماط السلوكية الوثيقة الصلة بالحياة السياسية '.
(المرجع السابق : 204)
أما دائرة المعارف والعلوم الاجتماعية فتحدد التنشئة بأنها : التلقين الرسمي وغير الرسمي ذات الدلالة السياسية وخصائص الشخصية ذات الدلالة السياسية ، وذلك في كل مرحلة من مراحل الحياة عن طريق المؤسسات المختلفة في المجتمع .
إذن التنشئة عملية مستمرة ودائمة ، لا تتوقف عند مرحلة الطفولة أو المدرسة بمعنى أن الإنسان يتعرض لها منذ طفولته وحتى شيخوخته ، وهى عملية تلقين لاتجاهات وقيم سياسية ولقيم واتجاهات اجتماعية ذات دلالة سياسية .
( عن على شميس ناجي شراب ،1998: 172)
وتقوم عملية التنشئة السياسية بأدوار رئيسية ثلاثة هي:
نقل الثقافة السياسية من جيل لآخر .
تكوين أو تشكيل الثقافة السياسية .
تغيير الثقافة السياسية بما يتلاءم ودعم المحافظة على النسق السياسي .
وفي الواقع أن خبرات التنشئة السياسية التي يكتسبها الإنسان أو المواطن خلال عملية تعرضه لها هي التي تحدد سلوكه السياسي ، سواء بالمشاركة أو السلبية أو اللااهتمام أو حتى برفض النظام السياسي .
المنظور الاخر الذي كان له تأثير على البحث والتفكير في مجالات التنشئة الاجتماعية- السياسية هو علم نفس النمو . يتجلى هذا التأثير بوضوح في الدراسات التي تتبعت نمو التوجهات السياسية خلال سنوات الطفولة وساهمت نظريات تطور الادراك في فهم تطور التفكير السياسي ، ومن اكثر الاعمال تأثيرا في هذا المجال هي الدراسة التي قام (جان بيجيت) ، الذي يرى أن نمو القدرة الفكرية للطفل يمر بعدة مراحل من التطور الادراكي . ومن هذا المنظور فان وجهات النظر وتوجهات الطفل السياسي تنمو وتتطور مع نمو وتتطور قدراته العقلية .
(رعد حافظ سالم ، 2000: 34)
نظريات اكتساب التنشئة الاجتماعية السياسية :
أولاً : نظرية علم النفس :
تنطلق هذه النظرية من أن الفرد يتبنى توجهات تجاه البيئة السياسية كوسيلة لاشباع رغباته الشخصية الداخلية . فكما ان الفرد قد ينخرط في السياسة نتيجة لرغبة في القوة أو الجاه ، فانه قد يميل ايضا الى الاذعان للسلطات السياسية نتيجة لرغبته في أن يخضع لسيطرة الغير عليه ، وهناك فرضيتان تعكسها هذه النظرية :
أ- أن التوجهات الايجابية اتجاه الرئيس والشخصيات الاخرى في السلطة تنتج عن انتقال المشاعر الايجابية التي اكتسبها الطفل تجاه ابيه .
ب- إن مصدر هذه التوجهات الايجابية هو محاولة اعتقاد الطفل ، ومن أجل التخلص من حالة الخوف الناتجة من الرهبة المرتبطة بقوة الرئيس ، بأن الرئيس سوف يستخدم قوته لحماية الاخرين . عموما فان كلا الفرضيتان تشير الى ان مصدر هذه التوجهات الايجابية هو الرغبات والعلاقات الشخصية .
ثانيا:ً نظرية التعلم الاجتماعي :
ان رؤية هذه النظرية هي معاكسة لنظرية علم النفس ، حيث تؤكد على أهمية المثيرات التي يتلقاها الفرد من بيئته المحيطة به والالتزام بتبني توجهات معينة موجوده ضمن اطار تلك البيئة ، فتعتبر الرسائل التي يستقبلها الفرد من البيئة من العوامل الحاسمة في تحديد التوجهات التي سوف يتبناها الفرد في المستقبل . ولمعرفة الاسباب الكامنة وراء تبني الاطفال الصغار لوجهات نظر ايجابية أو سلبية تجاه السلطات ، فان نظرية التعلم الاجتماعي تعزو ذلك الى الوسائل الايجابية او السلبية التي يستقبلها الطفل من والديه ومدرسية ووسائل الاعلام حول تلك السلطات والشخصيات التي تشغلها .
ثالثاً : نظرية تطور الادراك أو المعرفة :
يبدو أن هذه النظرية تتخذ موقفاً وسط بين النظريتين الأولى والثانية ، فطبقاً لها تطورت قدرة الفرد على الادراك من خلال مراحل مختلفة ، تتصف بوجود أنماط نوعية متميزة للتفكير والطرق ، التي بواسطتها يتعلم الفرد ويصنف ويربط علاقته مع الاشياء في اطار البيئة .
تتغير هذه الانماط حينما يتحرك الفرد من مرحلة الولادة الى مرحلة الطفولة المبكرة ، الى مرحلة الطفولة المتأخرة ، والى مرحلة المراهقة .
(رعد حافظ سالم ،2000 : 49- 50)
أثر التعليم على التنشئة السياسية :
1. الشخصية الاكثر تعلما هو اكثر ادراكا لتأثير الحكومة على الفرد من الشخص الاقل تعلما .
2. كلما كان الفرد أكثر تعلما كلما وضح أنه يتابع الشؤون السياسية وانه يهتم بالحملات الانتخابية بشكل اكبر من الفرد الاقل تعليما .
3. الفرد الاكثر تعليما ، لديه معلومات سياسية اكثر .
4. الفرد الاكثر تعليما لديه آراء حول نطاق اوسع من المواضيع السياسية واهتماماته السياسية اوسع مجالاً
5. الفرد الاكثر تعليما اكثر ميلا للمناقشات السياسية .
6. الفرد الاكثر تعليما يشعر بحرية في مناقشة الامور السياسية مع عدد اكبر من الناس ، أما الافراد الاقل تعليما فيظهر انهم يتحاشون مناقشة الشؤون السياسية مع عدد كبير من الناس .
7. الفرد الاكثر تعليما يعتبر بامكانه التأثير على الحكومة .
8. الفرد الاكثر تعليما ،أكثر ميلاً للتعبير عن ثقتهم بالبيئة الاجتماعية ، والاعتقاد بأن الناس الاخرين جديرون بالثقة وانهم متعاونون .
9. الفرد الاكثر تعليما أكثر ميلا لأن يكون عضوا نشطاً في بعض التنظيمات .
(رعد حافظ سالم ،2000 : 89- 90)
color]